في الساعة 02:30 صباحًا، تستيقظ عشرات النساء في طولكرم ونابلس، ويستعدن ليوم عملهن. يصعدن إلى مركبات الأجرة لتقلهن إلى حاجز إفرايم (تكلفة الرحلة 35 شيكل من نابلس، 5 شيكل من طولكرم)، وينتظرن في الحاجز. تُحال بعضهن لفحص أمني مهين، في بعض الأحيان من قبل حراس رجال. في الساعة 04:15، تنطلقن في رحلات مُنظمة، وتكون بعضهن بلا مقعد، وتجلس عاملات التنظيف على أرضية الحافلة بين المقاعد. في الساعة 05:30، تصلن إلى وجهتهن: إلى حرم جامعة تل أبيب، حيث يعملن في وظيفة التنظيف.

تعتمد حياتنا اليومية، في المجتمع والاقتصاد وحتى في المؤسسات الأكاديمية على أعمال النظافة التي يقوم بها عشرات آلاف العاملين والعاملات في جميع أنحاء البلاد. ولكن حتى يتمكن أرباب العمل من الاستفادة من عملهن، تم انشاء نموذج توظيف مبني على استغلال قاسٍ باستخدام أساليب متغيرة ومبتكرة. عدد من عاملات وعمال جامعة تل أبيب كسروا الصمت وأخبرونا عن سياسة دائمة لانتهاكات قوانين العمل، وظروف عمل غير إنسانية ومهينة، وجهد لا يتوقف لاستغلالهن أكثر فأكثر - وكل هذا في الفترة التي تلت الإعلان الاحتفالي عن تغيير طريقة توظيف عاملات التنظيف في الجامعة.

عودة إلى يوم العمل: تقف عاملات التنظيف في طابور أمام البوابة المغلقة، وبعضهن يجلسن على مقعدين قريبين. بعد حوالي عشرين دقيقة، يقترب زوج من حراس الأمن ويفتحون البوابة. أحدهم يوجه العاملات بالدخول واحدة تلو الأخرى. كل من تدخل تُسلِّم بطاقة هويتها للحارس، وفي المقابل تحصل على بطاقة تحمل رقمًا متسلسلًا. تتفرق العاملات إلى مباني مختلفة تم تعيينهن فيها، وتبدأ بالعمل حوالي الساعة 06:00، ولكن بتوجيه من أرباب العمل،  يوقعن على بطاقة الحضور فقط عند الساعة 06:30 (وبالتالي تستلمن الأجر فقط عن عملهن ابتداءً من هذا الوقت).

العمل نفسه مرهق: في حين أن جامعات بن غوريون والجامعة العبرية تستخدمان أكثر من مئتي عاملة تنظيف، في جامعة تل أبيب ضغط العمل كله تتحمله أقل من  مئة وعشرين عاملة تنظيف، والعديد منهن يبلغن عن صعوبة تحمل ما يطلب منهن.

العاملات من نابلس وطولكرم، اللواتي يشكلن  حوالي نصف مجمل عاملات التنظيف في الحرم الجامعي، يتم تشغيلهن عبر اثنين من المقاولين الفرعيين: جي أس ألفا م.ض أو إس إم شين، نقليات وسفريات م.ض،  هذه الشركات مرتبطة من خلال عقد مقاولة لـ"مركز التنظيف الجامعي" (منبا) - شركة مشتركة تملكها جامعة تل أبيب والجامعة العبرية وجامعة بن غوريون. على الرغم الهدف من أن إنشاء "منبا" كان "على الورق" فتح صفحة جديدة في العلاقات بين الجامعات وعاملات التنظيف فيها. وإنهاء العمالة عبر شركات المقاولة الاستغلالية التي استمرت لعقود من الزمن، فإن الأشخاص الذين تم تعيينهم في مناصب قيادية في الشركة يتكونون بشكل رئيسي من أشخاص لديهم تجربة سابقة كمديرين في شركات مقاولات، بعضهم حتى من نفس الشركات التي كانت توظف العاملات حتى الآن.

منذ بداية نشاط منبا في آذارل 2023، أبلغت العاملات عن تدهور ملحوظ في شروط عقود عملهن: تطالب الشركة منهن بارتداء ملابس موحدة: سراويل وقميص طويل وسترة. العديد من العاملات أفدن في الأيام الأولى من العمل عبر مينبا  أن الملابس تكون حارة للغاية. الآن، في ذروة الصيف، يقلن إن العمل أصبح غير محتمل."

بعض العاملات تزعجهن الملابس لأسباب أخرى: السراويل الضيقة والقميص الأبيض (الذي يصبح قليلاً شفافًا تحت الضوء الساطع) لا يتفقان مع التقاليد الدينية. وصفت بعض العاملات ارتداء هذه الملابس بأنه "مهين جدًا". هناك من اتخذن المسألة بيديهن وقررن خياطة الزي الخاص بهن من المنزل أو ارتداء فستان فوق القميص (حلاً ربما كان فعّالًا في أشهر الربيع، ولكنه صعب جدًا خلال فصل الصيف). تغاضت منبا عن انتهاك لوائح اللباس، لكنها طلبت من العاملات على الأقل أن يتم تنسيق الملابس مع ألوان منبا، أو الأزرق أو الأسود. العاملات اللواتي لم يجدن في خزانة ملابسهن ملابس بهذه المتطلبات كان عليهن التوجه  خياطة وتصميم فساتين جديدة".

 مع الانتقال، تم استبدال مواد التنظيف أيضًا. بحسب منبا، المواد الجديدة ذات جودة أفضل، أكثر ودية للبيئة، وأكثر صحة. وفقًا للعاملات، المواد الجديدة تعمل بشكل أقل جودة وتتطلب مزيدًا من الجهد، وتسبب تهيجًا في مجاري التنفس وشعورًا بالحرقان في اليدين؛ ارتداء القفازات لا يساعد (غير واضح ما إذا كان ذلك بسبب قوة المواد أم بسبب رداءة جودة القفازات المقدمة للعاملات، والتي تتفكك وتتمزق بشكل متكرر). العديد من العاملات يظهر لديهن علامات حمراء على كفي اليدين نتيجة لاستخدام المواد الجديدة للتنظيف. على الأقل عاملة واحدة اضطرت لاستغلال أيام مرضها لأنها لم تتمكن من العمل بسبب الألم، واليوم تعمل بيديها ملفوفة.

تقضي معظم العاملات استراحاتهن اليومية في غرفهن المخصصة لهن - في معظم المباني، يدور الحديث عن غرف صغيرة في الطابق السفلي. في مبنى العلوم الإنسانية، تُدفع أربع عاملات إلى زاوية صغيرة قريبة من الحمام في الطابق الأرضي، التي تُستخدم أيضًا لتخزين ممتلكاتهن الشخصية وجزء من معدات التنظيف. في بعض الحالات، أمناء المباني منعوا العاملات بشكل واضح من قضاء استراحاتهن خارج الطوابق السفلية، أو تناول وجبات الغداء مع الطلاب والهيئة التدريسية في الكافتيريا.

ينتهي يوم العمل عادة حوالي الساعة 14:30 إلى 15:00. توقع العاملات بطاقاتهن وتتوجهن إلى بوابة الحرم الجامعي. هناك ينتظرن لاسترداد بطاقات هويتهن وركوب الحافلة. في الأيام التي تصل فيها الحافلة في الوقت المحدد ولا يوجد ازدحام مروري ولا يقوم الجيش بإغلاق الطرقات لنابلس، تصل العاملات إلى منازلهن حوالي الساعة 17:00. عندما لا تحظَ العاملات بحظ سعيد، يصلن  حوالي الساعة 19:00.

تُودَع رواتب كل شهر في التاسع من الشهر التالي، وهو الموعد الأخير قبل اعتبار الأمر تأخيرًا لدفع الراتب وفق القانون. هذه النظرية، ومع ذلك، عملياً، في كل شهر من شهور العمل منذ بدء العمل وفق "منبا" تأخرت الرواتب، وتم دفعها أحيانًا فقط في الثامن عشر من الشهر. العديد من العاملات لم يحصلن على أي قسيمة راتب للأشهر مارس، أبريل ومايو. بالنسبة للقسائم التي حصلن عليها، تظهر فيها مشكلة: يرتكب المقاولون أخطاء في حساب ساعات العمل، ولا يحترمون مستندات المرض، ويدفعون مقابل مواصلات بشكل جزئي. العاملة التي لم تحصل على قسيمة راتب يتأثر وضعها ليس فقط بأنها تتم محرومة من القدرة على تحديد مثل هذه المشكلات والمطالبة بتصحيحها: بل أنها تعاني أيضًا من عدم قدرتها على استخدام بطاقة الصحة، والتي لا يمكن بدونها استخدام التأمين الصحي في الصيدليات والعيادات في الضفة.

الأجور ذاتها منخفضة جدًا: 32 شيقل للساعة، أقل من شيكل ونصف فوق الحد الأدنى للأجور (وحتى أقل من الحد الأدنى للأجور إذا اعتبرنا تكاليف النقل، التي تعتبر عالية بكثير بالنسبة للعاملات مقارنةً بالاسترداد اليومي المقدم بقيمة 10 شيقل). وهو أقل بكثير من المعتاد في هذا القطاع. وهذا ليس بالصدفة: في البداية، بدأت جامعة تل أبيب بتوظيف عاملات من غزة بعد أن حاولت لعدة أشهر دون جدوى العثور على عاملات داخل الخط الأخضر يوافقن على العمل بالأجر المنخفض الذي عرضته.

العاملات على دراية بحقوقهن، وكثيرًا ما يسألن المقاول عن سبب تأخر الرواتب، وعدم تلقيهن لقسائم الرواتب، وسبب عدم استرداد تكاليف المواصلات بالكامل. في حالات من هذا النوع، يهدد مدير العمل من جانب المقاول بطردهن: "اللي مش عاجبها، ما تيجي ع العمل". في حالة واحدة، تم استدعاء عاملة لجلسة استماع قبل الفصل لأنها تجرأت على الشكوى بسبب تقليص مبالغ كبيرة من الراتب بشكل غير قانوني، والذي تم إلغاؤه فقط بسبب التهديد بمقاضاة المقاول.

نظام العلاقات الذي يستند على الخوف بين صاحب العمل والعاملات، لا يقتصر على طريقة عمل المقاولين ، بل يترسخ جذوره عميقًا في منبا والجامعة نفسها. قبل بضعة أشه، أرسل مدير العمل نيابةً عن شركة إس.م.ش. للنقليات والسفريات، تسجيلًا غاضبًا لإحدى العاملات، بخصوص توقيعها على استمارات العضوية في منظمة "قوة للعمال (كوح لعوفديم)"، التي حث الطلاب في الجامعة العاملات على التوقيع عليها. "أنقلي هذه الرسالة إلى كل العاملات"، وقال. " من مدير وحدة المالية في جامعة تل أبيب، المسؤول عن كل شيء في الجامعة، وما يقوله هو ما يفعله. يقول ما يحدث في الجامعة وهذا ما يحدث. قال لي: في أول آذار، عندما ننتقل [إلى عقد مع منبا]. إذا كانت واحدة من العاملات لدي من اللواتي وقعن على الورقة التي أحضرها الأطفال اليوم ووزعوها، عليها ألا تلم أحد إلا نفسها، في الأول من آذار سيتم طردها من العمل في الجامعة. لا تقولي "لم تخبرني، ولم تكرر هذا ، لم أكن أعرف". سأخبركن من الآن. إذا كنت ترغبين في نقل رسالتي، وجهيها إلى كل العاملات. قومي بشرح ما أقول. لقد قمت بتوجيه الرسالة وقلتها لكن. إذا ظل اسم أيًا منكن على هذه الأوراق حتى أول آذار وجاءت لتسألني لماذا تم طردي من العمل - إذا أقسم لكن أني قلت لكن. قولي لهن ألا تحاول أيًا منهن التذاكي  وإخفاء شيء عني. هذا التوجيه ليس من عندي، بل من الجامعة، وفي 1 آذار الجامعة ستعرف من وقعت ومن لم توقع،  لذا إذا جاءت [أيًا من العاملات] معي في الحافلة، ستتم إيقافها من قبل الجامعة نفسها عندما تدخل من البوابة، سيتم منعها من دخول مكان العمل، ستجد نفسها في الخارج".

في حالات الفصل، مثل في العمل، ليس للعاملات حقوق. على سبيل المثال، تمت إقالة عاملة من نابلس اتهمت بالتحرش الجنسي بشخص  في الحرم الجامعي، دون أي جلسة استماع. العاملة توسلت للحصول على فرصة   لتروي نسختها من الرواية إلى ممثلية منع التحرش الجنسي في الجامعة، ولكن الممثلية تخلت عن المسؤولية للتعامل مع القضية، وادعت أنه تم تحويلها إلى ممثلية منع التحرش الجنسي في شركة المقاول. لم تقم هذه الممثلية بالاتصال بالعاملة في أي مرحلة، والمقاول رفض تقديم تفاصيل الاتصال الخاصة بها للعاملة، وليس من الواضح ما إذا كان هناك فعلاً ممثلية كهذه في الشركة. شخص مسؤول عن عاملات التنظيف في الجامعة أنهى القضية بتهديد قائلاً: "لو أصررتن على جلبها لجلسة استماع في الجامعة، بلا شك أنهم كانوا في قريتها سيقتلونها،  هذا نوع من الأمور التي... لا يجب أن تم فيها ترك الطفل مع الماء".

تمت إقالة عاملتين أخريين دون أي جلسة استماع من قبل أحد المقاولين، حيث زعمتا أنهما قدمتا شكوى بشأن خصومات غير قانونية من رواتبهن رواتبهن  . لم يتم الحصول على توضيح حقيقة المسألة من المقاول الفرعي، بالإضافة إلى التهديد من جانبه بتقديم شكوى في الشرطة بحجة المضايقة ضد الطلاب الذين توجهوا له .

"ل" التي عملت في الجامعة لمدة حوالي عام تفيد بأن  ضغط عمل غير معقول، حيث كان ينتهي كل يوم لها في العمل بآلام حادة في قدميها. وقد أفادت أيضًا عن معاملة استهتارية من جانب المسؤولين عن المباني ، حيث كانوا بدلاً من أن يوجهون لها ملاحظة إذا لم تعجبهم جودة التنظيف، كانوا يصورون ويشتكون عليها من وراء ظهورها للمشرفة. وعندما طلبت من مدير العمل نيابة عن المقاول أن يعمل على تخفيف العبء عليها، أجاب قائلاً: "إذا لم يعجبك الأمر، يمكنك أن تغادرين". وشرحت أن لديها أربعة أطفال يدرسون في الجامعة ولا يمكنها ترك العمل والبحث عن وظيفة أخرى، لأنها ملزمة بتوفير معيشتهم. خلال التفسير، انهارت وبكت، وقالت إن لديها أفكار انتحارية.

أسبوعان بعد ذلك، شعرت "ل" بالضعف أثناء العمل وبدأت تمشي بتعثر. على الرغم من ذلك، فرض عليها المسؤول عن المبنى  أن تستكمل برنامج عملها العادي، والذي يشمل استخدام آلة تنظيف ثقيلة. وبعد وقت قصير من ذلك، فقدت الإحساس بنصف جسمها وسقطت. بعد أن تم جلب بطاقة هويتها من الصندوق الذي وُضعت فيه في بداية يوم العمل، تم نقل "ل" إلى الإسعاف. تبين في المستشفى أنها تعرضت لصدمة دماغية، وأنه لو ان العلاج قدم في الوقت المناسب، كان يمكن تجنب الضرر الدائم.

بعد بضعة أيام من الراحة، شعرت "ل" بتحسن وحصلت على موافقة من الطبيب للعودة إلى العمل، بشرط أن تكون على استعداد لمتابعة حالتها الصحية وعدم العمل بشكل مكثف للغاية. من ناحية أخرى، نصحتها مؤسسة "منبا" بالبقاء في المنزل لبضعة أيام إضافية، وخلال الشهر الذي مر منذ ذلك الحين، تم حذف رسائل "ل" (ورسائل من الطلاب الذين حاولوا مساعدتها) من قبل الشركة - لذا لم يتم تسجيل عودتها للعمل من جهة، ولم تتم دعوتها لجلسة استماع قبل الفصل أو حتى لم تتلق حسابًا نهائيًا لعملها  من الجهة الأخرى.

"أ" التي عملت في الجامعة لأكثر من عام، تجلس في منزلها منذ عدة أشهر، بعد أن قتل ابنها عندما حاول الهروب من الاعتقال خلال حملة عسكرية في إحدى المدن في الضفة الغربية. بعد انتهاء فترة الحداد، عندما حاولت "أ" العودة للعمل، تم إيقافها في نقطة تفتيش، وتبين أن تصريح عملها تم إلغاؤه من قبل سلطة السكان والهجرة، كجزء من سياسة الحكومة لسحب تصاريح العمل من أقارب العائلة المشتبه بهم في أعمال إرهابية، وفعليًا  القصد الفلسطينيين الذين قتلوا على يد الجيش. لم تتلق "أ" أي إشعار رسمي من أي جهة رسمية في الجامعة بشأن وفاة ابنها، على الرغم من أنها كانت تعمل كعاملة نظافة بالتحديد في مبنى الإدارة. بعد إلغاء تصريح العمل لديها، تم إيقاف توظيفها ببساطة دون إشعار منظم أو حساب نهائي.

سمير،  من سكان نابلس الذي عمل في الجامعة لما يقرب من سنة ونصف، تمت إقالته أيضًا دون استماع أو إشعار مسبق. مثل العديد من العاملين الذين تم توظيفهم من قبل نفس المقاول ، عمل سمير "بشكل غير رسمي" معظم فترة عمله في الجامعة. في آب 2022، بدأ المقاول لأول مرة في تقديم تقارير منظمة بشأن توظيفه، ووفقًا للسجلات على موقع السلطة الفلسطينية، الذي تبلغها سلطة الهجرة والإسكان  عن عمل الفلسطينيين في إسرائيل منذ ذلك الحين وحتى فبراير 2023، تم التبليغ فقط عن نصف أيام عمله الفعلي. للأيام التي تم تقديمها، قام المقاول بتحويل الراتب عبر البنك، وقام بدفع نصف الراتب الثاني نقدًا أو بشيك، مع خصم غير مبرر من عدة مئات من الشواقل. زعم مسؤولون في الجامعة أنهم فحصوا الشيكات ولم يجدوا عيوبًا فيها. في المجموع، تم تقديم فقط قسيمتي راتب لسمير خلال فترة توظيفه.

بعد بضعة أسابيع من بداية عمل منبا، تلقى سمير إشعارًا من المقاول: لا تعود إلى العمل، الجامعة لا تريدك. جاء الإشعار بعد أن تم نقل سمير من المبنى الذي كان يعمل فيه فيه إلى مبنى آخر، ومن ثم إلى مبنى ثالث. أوضح المسؤول عن جامعة تل أبيب في "منبا له أن هناك شكاوى تم التبليغ عنها بشأن عمله. حاول سمير بجدية البحث عن تفاصيل محددة عن محتوى الشكاوى ومن الجهة التي تقدمت بها، لأنه لم يسمع أي ملاحظات أبدًا على جودة عمله: بالعكس، تفاخر بأنه نظف العديد من المباني وساعد حتى في عمل زملائه بشكل منتظم.

كونه لم يستعدى لجلسة استماع ولم يتلق إشعارًا كتابيًا، لم يكن سمير واثقًا من سبب فصله: ربما لأنه ناقش المقاول الفرعي بخصوص الخصومات على الراتب؟ ربما لأنه كان في اتصال مع الطلاب النشطاء في نضال عمال التنظيف ومع نقابة قوة للعمال؟ ربما لأن أحد العمال الآخرين قد قدم شكوى ضده؟

في النهاية، تبين أن عذر الفصل تم توضيحه من خلال إشعار كتابي باللغة العبرية، تم إرساله من قبل "منبا إلى المقاول الفرعي، والذي أرسله لسمير (بدون ترجمة أو شرح). وفقًا لـ منبا، قدم مدير الطاقم في الكلية التي كان سمير يعمل بها شكوى بأنه يأخذ الكثير من استراحات التدخين، ويتصل الكثير عبر الهاتف، ولا يعمل بشكل جيد خلال فترة الدوام ". أكد نفس المدير على هذا الزعم عندما سئل عن ذلك (على الرغم من أن سمير قال إنه عندما سأل نفس المدير إذا كان لديه فكرة لماذا تم فصله، أظهر تفاجئًا وقال إنه لا يعرف).

 من المهم أن نشير إلى أنه لم ترد شكاوى بخصوص جودة عمل سمير في الجامعة، بل فقط بشأن خروجه المتكرر لاستراحات. هذا الادعاء بذاته ليس مبررًا للفصل: عمال التنظيف ليسوا عبيدًا، وعملية التنظيف ليست اختبارًا للصبر. على أي حال، تمت مراجعة سجلات المكالمات من هاتف سمير وأثبتت أن مراعم منباا بأنه "يتصل الكثير عبر الهاتف" كانت غير صحيحة.

خلال المحادثات مع عدة عاملات تنظيف، لم يتم رصد أي شكاوى حول سمير الذي كان يعمل معهن في نفس المباني، ولم يتم تقديم أي شكاوى من قبل المسؤولين عن المباني الذين كانوا في اتصال معه بخصوصه أو بخصوص جودة عمله في التنظيف. بعض العاملات   شهدن انهن تلقين مساعدة منه في تنظيف المبنى، وعبر بعض من المسؤولين عن المباني عن أملهم في عودته للعمل.

إدارة الجامعة ومنبا رفضتا بشكل صريح إلغاء إقالة سمير، أو حتى إجراء جلسة استماع وتحكيم له وفقًا للقانون. تم الرد على محاولة التحقق من تفاصيل الوضع لدى منبا برسالة تهديدية من مكتب محامين، وقع مع طلب عدم محاولة التواصل معهم مجددًا. أعضاء كبار في الجامعة  عندما سئلوا عن الموضوع، قالوا إنهم "ليس لديهم ما يضيفونه".

مرت ثلاثة أشهر، وما زال سمير معطلًا عن العمل. تتزايد الصعوبات المالية لعائلته، حيث أنه الراعي الوحيد للأسرة. تشخيص زوجته حالتها بالهيدروسفالوس (تجمع سوائل في الجمجمة، وفي غياب العلاج يمكن أن تؤدي إلى التهاب الدماغ)، ولكن العائلة ليس لديها الأموال لتمويل السفر إلى مصر من أجل الجراحة الجراحية بواسطة المنظار التي نصحهم بها الأطباء.

حالات سمير، ل، وم، ليست فريدة ونادرة: خلال العام الأخير تم تشخيص العديد من الحالات التي وجدت فيها العاملات أنفسهن في مواقف مخيفة وتحديات كبيرة جدًا، وتبين أن الجامعة غير مبالية بمشاكلهن. أوضح مسؤول كبير في الجامعة: "لا يمكنني أن أجلس فوق رأس المقاول وأقول لهن افعلوا هذا ولا تفعلوا ذاك. هن موظفات لديه وليس لدي".

على الرغم من التهديدات من قبل المقاولين والجامعة، فإن أنظمة المراقبة والتجسس التي يمارسها أرباب العمل من خلال مشاركة العاملات المتعاونات، والقلق المستمر من الفصل بدون جلسات استماع، تعمل عاملات التنظيف في جامعة تل أبيب على التنظم والنضال من أجل مستقبل أفضل لأنفسهن. في الخفاء، قمن بتجميع تسجيلات وشهادات للاستغلال والتهديدات التي تعرضن لها، وقمن بإرسالها إلى نشطاء من بين الطلاب وأعضاء هيئة التدريس. بعضهن انضممن للاحتجاجات الطلابية مطالبة بزيادة أجورهن، وحتى وافقن على منح حوارات للصحافة. هذه الشجاعة وهذا الذكاء هما سبب بلا شك أنه في المستقبل القريب أو البعيد، سينجحن في التغلب على العقبات العديدة التي يضعها أرباب العمل أمامهن، ويتحدن.

رغم توجهاتنا، لم نتلق أي تعقيب من جامعة تل أبيب حتى موعد النشر.

تحرير: ستاف غرسيتل