في وقت ما، حوالي عام 2023، تمكنا من إيقاف الركض الجنوني نحو نهايتنا. حتى ذلك الحين، كان مبدأ الاقتصاد الذي لا يتزعزع هو النمو - فالدولة النامية كانت تعتبر دولة تتمتع بالصحة والازدهار، وبدون نمو كانت الدولة في حالة ركود، وحتى في أزمة اقتصادية. ولكن من أجل "النمو" كل عام، كان علينا أن نزيد باستمرار حجم النشاط الاقتصادي الذي يتم قياسه: لإنتاج المزيد من السلع - الأسلحة وأجهزة الكمبيوتر والعلكة أو بطاقات المعايدة. سيكون الأمر نفسه لو كانت البضائع للحرب أو السلام أو الشفاء أو القتل. ونتيجة لذلك، نمت بصمتنا الكربونية بلا حدود وعمقت الاستقطاب بين الشركات التي "نمت" وتلك التي "لم تنمو". علمتنا مارلين وارنج، الخبيرة الاقتصادية السياسية وذات الرؤية، قبل نصف قرن أن معدلات النمو لدينا تأخذنا إلى الهاوية. فالكنز الطبيعي الذي يبقى على حاله لا يزيد النمو، بينما القضاء عليه بشكل منهجي كما في حالة البحر الميت على سبيل المثال يدل على ازدهار المجتمع. ومن بين هذه الممارسات الحيوية في حياتنا - القلق، وإلغاء الوقت اللطيف مع الأصدقاء، ومرافقة الشخص الذي يطلب التوجيه في مدينة غريبة، وإعداد الحساء لأحد أفراد الأسرة الباردة - كل النشاطات الصغيرة التي نقوم بها، وخاصة خلال اليوم، لا يتم تسجيلها فقط في مؤشرات النمو المقبولة، بل إنها تصبح عبئًا عندما نسعى للبقاء على قيد الحياة في النظام الاقتصادي الحالي. يجب أن يقال، على مر السنين، تآكلت قدرتنا على التعبير عن الحب من خلال أفعال غير هادفة، وخاصة من خلال الأفعال التي تستغرق وقتًا.

لكننا تمكنا إيقاف ذلك. أدى العنف المتصاعد والظواهر المناخية المتطرفة والشراكة النسوية النادرة بين النساء، وخاصة بين النساء الفلسطينيات والشرقيات والنساء المثليات وغيرهن، إلى جمع أجزاء أخرى من المجتمع للجلوس حول الطاولة والاتفاق معًا على الإبطاء. لقد أبطأنا الاقتصاد، ووضعنا سقفاً لإمكانية تراكم رأس المال، وتعاوننا مع مجموعات في جميع أنحاء الشرق الأوسط والعالم وخلقنا بدائل. لقد فهمنا أنه في العقود القادمة ستكون التحديات المناخية هي التي ستقود التحركات في منطقتنا. أكثر من أي وقت مضى، سيتعين علينا العمل معًا لضمان إمكانية وجودنا - القدرة على زراعة الطعام وشرب الماء واستنشاق الهواء.

يتطلب العمل معًا الثقة – ومن أجل الثقة يجب العمل. ولتمكين الثقة، كان علينا أن نتبنى إجراءات حكومية تمنع تراكم الكثير من السلطة في أيدي أولئك الذين لديهم مصالح أيديولوجية أو مادية. بدأنا بفصل الدين عن الدولة. أصبح هذا مهمًا بشكل خاص بسبب سيطرة الاتجاهات التبشيرية التي أرست في الأديان المختلفة الجوانب القوية بدلاً من تلك التي تعطي معنى وتمكن من احترام الآخرين. واصلنا تحويل الدولة إلى دولة لجميع مواطنيها، لضمان عدم الاستيلاء على السكان باسم الأفكار القومية. قمنا ببناء الإجراءات التي مكنت الشراكة المدنية في عمليات صنع القرار. لكن المستقبل ممكن فقط مع الاعتراف بالماضي. لذلك، أنشأنا لجان الحقيقة والمصالحة في جميع أنحاء البلاد، وتم الاعتراف أخيرًا بالجماعات التي عانت من الاضطهاد لسنوات عديدة. علمنا أنه لا يمكننا الحديث عن العدالة دون الحديث أولاً عن الاعتراف بالقمع والتمييز، والاعتراف بتاريخنا المشترك، المشبع بالعنف، ليس فقط بين الفلسطينيين واليهود، ولكن أيضًا بين الشرقيين والأشكناز، وبين الرجال النساء، وبين المثليين ومغايري الجنس، السود والبيض وغيرهم. وما زلنا نتعلم طوال الوقت كيف نسمح للثقافات والانتماءات القومية المختلفة بالعيش معًا في إطار مشترك لنا جميعًا. ونتعلم من جديد كيف نتحدث، وخلال هذه العملية، ولدت "نحن" جديدة على أساس التقارب لهذا الإطار المشترك. "نحن" التي لا تطالبنا بكل شيء  ولا تستعبدنا لمصلحة أي أقلية أو أغلبية.

كانت إحدى الخطوات التي دفعتنا إلى حد كبير في محاولة إبطاء الاقتصاد هي إدراك أن الهوية المحلية – المدنية أو الريفية أو المناطقية - ليست شيئًا صغيرًا، وأنه يجب على المرء الاستثمار في الاقتصاد المحلي والسياسة المحلية. في العقود القادمة، ستحدث أهم السياسات على المستوى المحلي، ولهذا قمنا بتطوير برامج دراسة المواطنة التي لا تتعامل فقط مع العلاقة بين المواطن\ة والدولة، ولكن أيضًا مع السلطات المحلية، ومع مختلف طرق بناء مجتمع خير. في كل عام يمر، نعيد اكتشاف مدى مساعدة السياسات النسوية  القلقة في أن نصبح مجتمعًا يتمتع بوقت أقل خطيًا، وهو مجتمع أقل عجلة لاكتشاف النهاية. إن تقسيم التكاليف الجماعية لعدد قليل على موارد الأراضي الشاسعة سمح لنا، بدوره، بحل مشكلة الإسكان،  الذي أصبح في متناول الجميع، مع الحد من قدرة الأفراد على التحكم في أجزاء كبيرة من السوق. أثبتت المباني الخضراء أيضًا أنها أرخص، وتحتوي الوحدات السكنية الآن على خيارات التدفئة والتبريد التي تستخدم الحد الأدنى من الطاقة الملوثة.

يختلف البشر عن بعضهم البعض، وبينهم احتياجاتهم مختلفة ومتنوعة. لهذا كان من المهم بالنسبة لنا إنشاء خيارات متنوعة لبناء مجتمع، وقبل كل شيء، حرية التنقل بين المجتمعات المختلفة. أصبحت الأماكن العامة ملكًا للجميع مرة أخرى، ولم يعد من الممكن لمجتمع واحد فقط التحكم في هذه المساحة. تم إعطاء المصالح المختلفة مكانًا في هذا الحيز بناءً على معايير تم بناؤها بالإجماع في عملية طويلة، ولكنها مفيدة وخيرة. كانت حرية التنقل بين المجتمعات أمرًا بالغ الأهمية بشكل خاص للنساء وأفراد مجتمع الميم، ولكن في الحقيقة، هذه الحرية ضرورية لهم جميعًا. في رحلة الحياة الطويلة، يمكن للهوية أن تتغير أو تتطور أو تتعمق أو تتوسع، والسماح بذلك أيضًا جزء من مسؤوليتنا الاجتماعية.

كنتيجة لكل هذه العمليات، بدأ الاقتصاد في التباطؤ، بالمعنى الأفضل للكلمة، وأعطينا جميعًا مزيدًا من الوقت. الوقت في الحياة اليومية - لإنشاء العلاقات، والاعتناء بأنفسنا، والاعتناء بالآخرين - والوقت الذي تستغرقه الموارد الطبيعية للشفاء، وتنقية الهواء، وأن ينظم المجتمع نفسه في اقتصاد نسوي. لقد مُنحنا الوقت للاعتراف بالأخطاء التي ارتكبناها، والأخطاء التي أرتكبت بحقنا، وللتخطيط معًا للإجراءات التي من شأنها أن تسمح بالعدالة والتعافي.

يالي تخيلت إسرائيلي عام 2030 ضمن مشروع "صورة النصر"

تحرير: يعيل دراير - شيلا