مزعج، وربما حزين في الواقع، اللعب في لعبة التخيل لما سيكون هنا بعد الاحتلال. عموما، كلانا لا نستطيع التخيل كيف ستبدو خريطة البلاد بعد انتهاء الاحتلال. دولة واحدة أم دولتين، أم كونفدرالية ثنائية القومية، الفيدرالية الاشتراكية للشرق الأوسط؟ ليس الأمر أن كل واحد منا ليس لديه رؤيتنا الشخصية لإنهاء الاحتلال، لكن الأمر واضح لكلينا: بقدر ما هو لطيف رسم خطوط على الخرائط والحلم بالتحرر الوطني، من أجل وقف إراقة الدماء ومنع المزيد من العائلات من فقدان أحبائها، يجب أولاً أن ننهي على الفور الواقع الذي يعيش فيه الملايين من الناس تحت السيطرة العسكرية والعنيفة من قبل دولة اسرائيل. نعم، نعتقد أنه قبل الرؤى الوطنية وقبل أحلام التحرير، من المهم اتخاذ خطوات تسمح للناس بالعيش.

عندما كنا صغارًا، قيل لنا أنه عندما نكبر – سيحل السلام هنا.  قيل لليهود بيننا أنه "عندما تكبرون لن تضطروا   إلى الالتحاق بالجيش". نحن الآن في منتصف الثلاثينيات من العمر، ولا يبدو أن نهاية الاحتلال قريبة، بل على العكس: هذه الأيام وصلت النخبة من المستوطنين إلى السلطة وهي أقوى من أي وقت مضى. والأهم من ذلك كله، يبدو أن السلام أبعد من أي وقت مضى. هل فكرت في المرة الأخيرة التي خاض فيها حزب الانتخابات (ولدينا الكثير منهم) تركزت أجندته على السلام؟ لا يمكننا تذكر أمر كهذا حتى. يكاد لا يوجد حديث عن السلام في مجتمعنا. السلام كفكرة مطلب غاب عن الخطاب العام واختفى ودفن في القبو. حتى في معسكر السلام، إذا كان لا يزال هناك شيء من هذا القبيل في إسرائيل، فهم لا يتحدثون عن السلام. وربما لهذا السبب بالتحديد من المهم أن نسأل أنفسنا كيف سيبدو الواقع في اليوم التالي للسلام.

في خيالنا السياسي، فلسطينية ويهودي من مواطني اسرائيل، السلام هو في المقام الأول مساواة، واختفاء الحديث عنها يرتبط ارتباطًا وثيقًا بإرساء الوضع الراهن المشوه في مجتمعنا والحفاظ عليه. نتخيل واقعًا قائمًا على المساواة حيث تكون ملكية هذا البيت مشتركة، بشكل فعلي. وليس وجودًا مشروطًا في البلاد، ولا مساواة على الورق وتمييزًا عمليًا - بل ملكية بيت كاملة ومشتركة. نحن نؤمن بأن السلام - وهو واقع لا يسيطر شعب فيه على الآخر- سيسمح للأجيال القادمة أن تولد هنا، لأية عائلة على جانبي الحدود أو خارجها، بأن يعرفوا أنهم ولدوا في أرض هي حقًا لهم، وأن لا أحد يجادل في ذلك. ستسمح الملكية المشتركة الحقيقية والعميقة لهذا البيت للخيال بالازدهار. كل شخص يستطيع أن يكون ما يريده، كل رجل وكل امرأة. بلا حدود ولا حواجز. يمكن للفتاة الفلسطينية المولودة في قلنديا أو اللد أن تكون رئيسة حكومة للجميع في هذه البلاد.

هذا يعني أيضًا أن واقع السلام هو واقع من العدالة الاجتماعية. ليس بلا نضال وليس بشكل تلقائي أوتوماتيكي.  نحن نعلم أنه بغض النظر عن الاحتلال، تعمل القوى المحافظة والنخب الرأسمالية هنا بلا كلل لتعميق عدم المساواة وجني الأرباح من الموارد الطبيعية والعاملين. من الواضح لنا أنه حتى بعد الاحتلال، فإن النضال الطبقي من أجل مجتمع قائم على المساواة والعدالة، والذي لا يزال قائما حتى اليوم، سيكون مريرًا وصعبًا، وسيكون لدى النخبة الكثير لتخسره. لكن واقع السلام سيزيل من أيدي هذه النخب واحدة من أكثر الأدوات فاعلية، وهي زرع الفرقة والكراهية، وهي أداة تُستعمل طوال الوقت مرة تلو الأخرى، ونرى كل يوم مدى فعاليتها في الفصل بين الناس. فكروا كم أسهل على اليهودي الذي يعاني تحت وطأة الوجود وغلاء المعيشة في إسرائيل بأن يتخيل أنه أقرب إلى يتسحاق تشوفا لأنه يهودي مقارنة بشخص عربي يعاني مثله تمامًا وفي نفس الواقع. من ناحية أخرى، نفس الشخص اليهودي الذي يناضل بجانب نفس الشخص العربي ضمن النضال ضد تهجير السكان من يافا، أو لرفع الحد الأدنى للأجور، أو من أجل قانون التعليم المجاني منذ الولادة. فكروا في هذا اللقاء، الذي يسمح لكل جانب بالتعرف على إنسانية الطرف الآخر والمصالح المشتركة بينهما، وهو لقاء يفتح لكلا الطرفين إمكانية أن يكونا في نفس الجانب - الجانب الذي يسعى لتحقيق المساواة، من أجل العدالة المشتركة.

إن إنهاء العنف والصراع القومي سيسهل علينا اقتراح تقسيم مختلف للمجتمع: من ناحية، هناك أغلبية كبيرة من الناس الذين لديهم ما يكسبونه من تغيير الواقع القائم، من اليهود والعرب. ومن الناحية الأخرى هنالك  أقلية صغيرة من الناس الذين يستفيدون من الواقع كما هو بالضبط، ويمكنهم أيضًا أن يكونوا، بالمناسبة، من اليهود والعربي

نضالنا لن ينتهي في اليوم الذي ينتهي فيه الاحتلال. لكن مما لا شك فيه أن انسحاب الاحتلال من ساحة النضال سيكون خطوة مهمة لا مثيل لها، ليس فقط لإنهاء إراقة الدماء والعنف وفي طريق تحرير الشعب الفلسطيني، بل أيضًا حجر أساس مهم  في النضال من أجل المساواة والعدالة الاجتماعية والاقتصادية لنا جميعًا.

 رلى وألون-لي تخيلا إسرائيل بعد الاحتلال ضمن مشروع "صورة النصر"

تحرير: شني بايس.