تقريبًا لا يمكن اعتبار أي شيء قدرًا محكومًا، لكن، الكثير من الأمور الموجودة تُعتبر مفهومة ضمنًا. هذا هو أساس أي خيال سياسي. الطريقة التي يتم بها تنظيم حياتنا، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والمجتمع، هي نتاج قوى ومصالح تشكلها كل يوم. لم نكن نعيش دائمًا بالطريقة التي نعيش بها الآن. ولن نعيش دائمًا بالطريقة التي نعيش بها الآن. على الرغم من ذلك، فإننا نميل إلى التعامل مع الوضع الحالي باعتباره وضعًا طبيعيًا.

لا يحدث ذلك بلا سبب، خيالنا يتواجد طوال الوقت تحت القصف، الذي يكاد يدمر القدرة على التفكير في طرق أخرى للحياة. فكروا في الأمر: في إسرائيل - وفي العالم - تقريبًا كل صوت نسمعه يخبرنا بنفس القصة. إنها قصة تخبرنا أننا جميعًا أفراد وأن الحياة سباق لتحقيق الذات، والذي يتم قياسه من خلال حسابنا المصرفي. قصة تخبرنا أن المجتمع منقسم إلى حد ما، إلى نصفين، بين "يمينيين" و"يساريين".  قصة تخبرنا مقدما أن الانقسام إلى أغلبية وأقلية يتحدد بالانتماء القومي. تخبرنا أن السياسة مسألة تخص القادة وليس الجمهور، وأنهم هم من يقودون مصيرنا. تعلّمنا  أن "فتح الخيال" أو "التفكير خارج الصندوق" يعني تخيل تقنية تكنلوجية جديدة، وليس طريقة مختلفة لتنظيم مجتمعنا. وبعد ذلك، في نفس الوقت، تعلمنا أنه من المؤكد أن طرقًا أخرى للعيش مفتوحة لنا، لكنها أيضًا محددة مسبقًا وكلها تمر بتغيير شخصي – تديّن، سافري إلى الهند، اصنع السماد، مارسي اليوجا. "كل شيء ممكن" لكن كل شيء مجمّد. وإذا تم الحديث عن تغيير كبير - فعادة ما يكون ذلك لتحذيرنا منه. من الصعب تصديق الأمر ومن المؤلم فهمه، لكن الكثير من النضالات التي نحن تتم دعوتنا لخوضها هي لحماية الموجود. والقليل القليل منها يهدف إلى تغيير النهج.

لطالما كانت الحرية هي حرية أولئك الذين يفكرون بشكل مختلف، هكذا علمتنا روزا لوكسمبورغ. والتفكير بشكل مختلف ليس مجرد تبني رأي غير شعبي هنا وهناك. التفكير بشكل مختلف هو، حرفيًا، التفكير بطريقة مختلفة، ترفض قبول الافتراضات المفروضة علينا. وهذا هو معنى الخيال السياسي. الخيال السياسي يعني وقبل كل شيء بالاحتمالات. نقطة الانطلاق فيه هي أن الواقع قابل للتغيير وليس منظمًا بطريقة معينة فحسب. ثم يقترح علينا التخلي عن السؤال الذي يصغّر الأمور  (والممل) "هل هذا ممكن؟" - الذي يقبل الشكل الحالي لتنظيم الواقع - وبدلاً من ذلك يطرح سؤالًا جديدًا أكثر إثارة: "ماذا نريد أن نكون؟" ربما نريد أن يكون مجتمعنا منظمًا بحيث بدلاً من العمل لكسب لقمة العيش، نعمل على تحقيق مواهبنا، دون القلق بشأن رواتبنا على الإطلاق؟ ربما نريد أن تأخذ الدولة على عاتقها مسألة أن يكون لدينا دائمًا مكانًا للعيش فيه؟ ربما نريد أن نقرر أن الوصول المجاني إلى المعرفة - كل المعرفة العالمية - هو أيضًا حق أساسي؟ هذه ليست سوى بعض الاحتمالات التي تظهر عندما نبدأ في تشغيل خيالنا السياسي.

لكن الخيال السياسي لا ينتهي عند هذا. كما أنه يوجهنا إلى التساؤل عن كيفية جعل الأشياء التي نهتم بها ممكنة. إن تطوير الخيال السياسي هو شحذ فهمنا لأين تكمن القوة في المجتمع وكيف يمكننا بناء القوة من حولنا، لصالح الأمور التي نؤمن بها. إن استخدام الخيال السياسي يعني فهم كيف نتفق جميعًا على النظام الاجتماعي وكيف يحافظ هذا الاتفاق عليه - ثم نرى كيف يمكننا استخدام هذا الاتفاق بيننا والمطالبة بنظام مختلف. لذلك، فإن الخيال السياسي ليس مجرد تمرين ذهني، بل هو أيضًا دعوة لبدء التخطيط للتغيير، لتحدي الوضع الراهن والمطالبة بعالم أفضل.

تتطلب القدرة على تخيل أشكال أخرى من التنظيم والعمل، الشجاعة والأمل. تخيلوا أغلبية جديدة في المجتمع الإسرائيلي، تخيلوا التحرر من الشعور القمعي بأننا وحدنا، صغار وضعفاء. دعونا نتعرف على الفرص المثيرة حيث رأينا من قبل تحديات تثير القلق فقط. مثل نبات ينمو من أرصفة المدينة، يذكرنا الخيال السياسي بأن هناك دائمًا طريقة. إن الإمكانات الموجودة في مجتمعنا هائلة وسوف تملأ كل صدع نجحنا في خلقه في القصة العادية التي اعتدنا عليها. ما سينمو من الشقوق سيؤدي أيضًا إلى خرق السد.

العمود جزء من مشروع "صورة النصر" في مجلة روزا، سالي وإيتامار عضوا القيادة القُطرية لحراك نقف معًا.